أسرة وطفل: أطفالنا والاعتدال في التربية
اعداد: مروة حسن -
الكل يسعى جاهدًا ليلبي رغبات أطفاله، يسهر على راحتهم ،ولا تقر عينه إلا بفرحهم وغبطتهم، كل على قدر ما قدر الله تعالى له، حسب اختلاف الأعمال والأرزاق والكسب، فكل مخلوق مكتوب له حظه من الرزق، وهذا الاختلاف من عجائب قدرة الله تعالى: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ). وفي هذا يوضح لنا إمام جامع محمد الأمين محمود عدلي الشريف هذه النقطة، حيث يقول إن اختلاف المكاسب يجعل لا شك يتولد عنه تفاوت في تربية الأطفال بين الغنى والفقر، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يتفاوت البشر في تربية أطفالهم بين من يشدد عليهم ويضيق عليهم الخناق، لا يعطي ولا يسمح بالعطاء، يوصل أطفاله إلى الحرمان، يعودهم على القليل، ويعيشهم في جو من الحسرة والندامة، من كل طفل على ما يرى أمامه، وهو محروم من الوصول إليه، منعه منه البخل والشدة والصرامة، والعكس بالعكس مع طائفة أخرى فمنهم من يترك الحبل على الغارب لأطفاله ساعياً خلف رغباتهم، ملبيًا لدعواتهم إلى ما له فائدة وإلى ما لا فائدة فيه لا يرد لهم طلبا، ولا يمنع عنهم شيئًا، يجيب ما أرادوا، ويحضر ما طلبوا، ويشتري لهم ما فيه رغبوا، بدون سقف للرغبة، الكل متاح ما من أمر إلا هو بين أيديهم مباح، ومنهم من هو وسط بينهما، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا... الآية)، وهذا الأخير هو ما ينبغي أن نكون عليه جميعًا؛ لأن الأول يعلم أبناءنا الشح والبخل، ويولد عندهم حب التملك، وحب الأخذ دون العطاء والأنانية وحب السيطرة، وكراهية الخير للغير.. إلخ (لَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)) [الحديد: 24، وأما الثاني فترك الحبل على الغارب يولد لدى الطفل الطمع، وعدم الشبع لا بالقليل ولا بالكثير، ويجعله لا يستطيع العيش بغير ترف وسرف، يحب الشراء من غير ما شراء لا يبقي معه مما يملك شيئًا، فهو قد اعتاد على أن ما يشتهيه يشتريه، (... وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) وهذا خطأ معلوم ضرره وظاهر أثره، وشهر رمضان المبارك هو فرصة عظيمة لتقويم اعوجاج السلوك، وتقنين لإشباع الرغبات، وتقويض للشهوات ،وضبط لجموح الأنفس، (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)، وإذا كان الصيام يقوم السلوك المعوج للكبير أفلا يقدر على تقويم الصغير، بلى ولا شك يقدر إذا ما اتخذناه سبيلا لتقويم سلوكيات أطفالنا ،وإليكم هذا الحديث «عن ابن عباس أنه بات عند ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهله في طولها، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا انتصف الليل -أو قبله بقليل، أو بعده بقليل -استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي - قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه -فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها - يفركها بين أطابعه (كأنه قد تعجب من ذكاء الطفل وحسن صنيعه) - فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح.. وما أردت من وراء هذا إلا أن أذكر نفسي وإياكم بضبط النفس أمام رغبات أطفالنا لنقوم سلوكهم بلا إفراط ولا تفريط، بلا بخل ولا إسراف، فالوسط في كل شيء مطلوب، والاتزان في الأمور محبوب، وتربية الأطفال على القناعة مرغوب. نسأل الله لأطفالنا الصلاح والنجاح، والفوز والفلاح، في الدنيا والآخرة.